علامات استفهام حول ضربة إيران تجاه إسرائيل.. هل كانت مجرد مسرحية؟

على مدار 13 يوما ومنذ الهجوم الإسرائيلي على مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، كانت تسود حالة من الترقب تجاه رد إيران، وذهبت سيناريوهات إلى التأكيد أنه لن يكون بالقوة المطلوبة.

والتحليلات والتوقعات التي قالت إن الرد الإيراني، "إن حدث"، سيكون محدودا، ولن يكون بالقوة التي تثيرها التصريحات والتهديدات الإيرانية، لأن طهران تخشى الانجرار إلى مواجهة إقليمية تلعب فيها من خلال وكلائها، كما أنه، على سبيل المثال، عندما قتل قاسم سليماني أبرز مسؤول عسكري إيراني بغارة أمريكية في العاصمة العراقية بغداد عام 2020، جاء الرد الإيراني محدودا، بل وقيل إن طهران أبلغت واشنطن بالأماكن التي ستقصفها.

وكانت غارة إسرائيلية بطائرة (إف – 35) استهدفت مقر القنصلية الإيرانية في دمشق يوم 1 أبريل/نيسان الجاري، وقد أسفرت عن سقوط قتلى كان أبرزهم العميد محمد رضا زاهدي مسؤول فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في سوريا ولبنان، وكذلك قتل مساعده، وهو بالتالي أرفع مسؤول يقتل بهذه الطريقة منذ عملية قاسم سليماني.

تفاصيل ما حدث

على مدار الأيام الماضية أطلقت إيران الوعيد والتهديدات في كل الاتجاهات، على نحو أعطى انطباعا بأننا ستكون أمام هجوم لم تر لها إسرائيل مثيلا منذ فترة طويلة، لكن بعد 13 يوما من الترقب لتلك الخطوة، تم إطلاق عشرات الطائرات المسيرة وصواريخ من إيران باتجاه إسرائيل، تزامنًا مع مسيرات أطلقها حزب الله اللبناني، وكذلك مليشيات جماعة الحوثيين في اليمن.

ووسط أجواء احتفالية لدى الإيرانيين، أعلن التليفزيون الإيراني أن نصف الصواريخ التي أطقلت حققت أهداها بنجاح، كما أوقعت أضرارا جسيمة بـ"أهم قاعدة عسكرية" في النقب جنوبي إسرائيل، إلا أن الجانب الإسرائيلي في المقابل، ومعه الولايات المتحدة، أكد أن غالبية المسيرات تم إسقاطها، والصوارخ تم اعترض معظمها، كما أن القاعدة الجوية تعرضت لأضرار طفيفة، وهو أمر أثار تساؤلات عديدة حول قوة وتأثير هذا الهجوم، وما إذا كان قد تم لمجرد حفظ ماء الوجه الإيراني ليس أكثر.

مغازلة للجماهير؟

في هذا السياق، يقول طارق البرديسي الخبير في العلاقات الدولية إن الرد الإيراني، في وجهة نظري، أتى متناسبا مع حجم ما قامت به إسرائيل من ضرب لمقر القنصلية الإيرانية في دمشق، معربا عن عدم قناعته بالتصورات التي ترى أن الأمر مجرد "تمثيلية".

وأضاف "البرديسي"، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذا لا ينفي أنه يكون هناك اتفاقا ضمنيا بشأن تلك الضربات، موضحا أنه من المتفق عليه أنه سيكون هناك رد ورد مقابل في إطار قواعد الاشتباك، في ظل عدم رغبة طهران في الانجرار إلى الحرب والمواجهة المباشرة مع إسرائيل، وهي المواجهة التي يريدها "نتنياهو".

ويرى خبير العلاقات الدولية أن رد الفعل الإيراني يتناسب كذلك مع مغازلة الجماهير الإيرانية، فقد وضعت طهران الشاشات في الأماكن الرئيسية بالعاصمة طهران، وتقول لهم إننا نضرب العمق الإسرائيلي، بغض النظر عن تأثير تلك الضربات، وتصدي الدفاعات الجوية لهذه المسيرات والصواريخ، في ضربة تأتي لأول مرة من الأراضي الإيرانية إلى الأراضي الإسرائيلية، وليس عبر الوكلاء.

ويؤكد أن الضربات تحمل رسالة للداخل الإسرائيلي، بأنه لو كانت هناك ضربات إيرانية أخرى فلن تكون من خلال الوكلاء وإنما ستكون مباشرة، وربما في المرات القادمة قد تكون مؤثرة وأكثر فعالية، حسب تصريحات رئيس البرلمان الإيراني، الذي أكد ذلك حال أقدمت تل أبيب على هجمات جديدة، مشددا على أنه في هذا الإطار يمكن القول أننا أمام سيناريوهات متوقعة لمزيد من التصعيد.

المفارقة أن بعثة إيران لدى الأمم المتحدة كانت قد أصدرت بيان بشأن الرد الإيراني وإطلاق المسيرات والصواريخ، لافتة إلى أن هذا انتقاما لاستهدف القنصلية الإيرانية في دمشق، معلنة أن الهجوم قد انتهى، وذلك قبل أن تصل المسيرات من الأساس إلى الحدود الإسرائيلية، التي تذهب تقديرات أنها بحاجة إلى نحو 7 إلى 9 ساعات حتى تصل من إيران إلى إسرائيل.

حسابات طهران

بدوره، يقول الدكتور محمد محسن أبوالنور رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه يستبعد بشكل كامل أن يكون ما حدث في الليل مجرد مسلسل بين إسرائيل وإيران، لأن ما حدث حدث فريد من نوعه، فهو أضخم هجوم بالطائرات المسيرة في التاريخ بتكنولوجيا إيرانية غير غربية، تعبر عن تحول نوعي في مسألة الصراع مع إسرائيل المدعومة من الدول الغربية.

وأضاف أن الولايات المتحدة أعلنت أن 10 من دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" شاركت في إسقاط الطائرات المسيرة، ما يعني أن الأمر كبير وليس مسرحية كما يقال، لافتا إلى أن تل أبيب لم تعلن عن أية أضرار، مفسرا ذلك بأن التجربة التاريخية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة تقول إنهما لا تعترفان بأية خسائر إلا بعد فترة طويلة من الزمن.

ويقول "أبوالنور"، كذلك، إن طهران لم تكن بحاجة إلى إخبار الجانب الآخر بالهجوم، لأن العالم في الوقت الحالي أصبح مكشوفا بالنسبة للأقمار الصناعية وكل قطعة تتحرك في داخل دولة يتم رصدها، ولكن طهران أبلغت الجانب الأمريكي بأنها ليست مقصودة من هذا الهجوم، وأنها لن تستهدف من الهجوم، حتى لا تدخل الولايات المتحدة كطرف في الرد المحتمل تجاه الجانب الإيراني حال حدوثه.

وأعلن متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن إيران أطلقت أكثر من 200 مسيرة وصاروخ باتجاه إسرائيل، مضيفا أنه تم اعتراض "الغالبية العظمى" منها "خارج حدود البلاد"، لكن "أضرارا طفيفة" لحقت بقاعدة عسكرية، فيما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن واشنطن ساهمت في إسقاط كل المسيرات الإيرانية، تقريبا، فيما لم تعلن أية جهات في إسرائيل عن أية إصابات بشرية، بالهجوم الذي وصف بأنه أكبر هجوم ينفذ بالطائرات المسيرة.

هل كان تمثيلية؟

يقول الأستاذ أشرف أبوالهول رئيس مجلس أمناء مؤسسة الطريق للدراسات إن الوضع يتجه الآن إلى الهدوء بين إسرائيل وإيران، وأن الأولى ستقبل بالنصيحة الأمريكية، خصوصا أن الهجوم الإيراني لم يخلف أية أضرار، كما أنه تم تدمير أغلبية الصواريخ والمسيرات قبل أن تصل الأراضي الإسرائيلية، وربما بعضها سقط فوق أماكن مفتوحة، ولم تتأكد أنباء إصابة قواعد عسكرية إسرائيلية.

وأضاف أن تل أبيب حين سترد فإنها ستستهدف مناطق في العاصمة طهران ومنشآت نووية، حسب الخطط التي يتم الكشف عنها، معربا عن اعتقاده أن رد كهذا ليس في وقته المناسب، لا سيما أن تل أبيب تتعرض لانتقادات كبيرة بسبب سلوكياتها في قطاع غزة والتهديد بعملية عسكرية في رفح، منوهًا إلى أن التعليمات صدرت للمواطنين الإسرائيليين بممارسة حياتهم بشكل طبيعي، ما يعني أن الهجوم قد انتهى.

ويلفت الكاتب الصحفي المصري إلى أن ما تعلن عنه إيران رسالة لمواطنيها في الداخل، وحلفائها في الخارج بأن عمليتها نجحت، في المقابل تقلل إسرائيل من أهمية الهجوم الإيراني، فلا يوجد وجهة نظر محايدة، لكن الواقع يقول إننا من تغطيات التلفزيون لم نرى حرائق أو انفجارات كبيرة في إسرائيل، مشددا على أنه لهذا السبب يقول إن الرد الإيراني كان أشبه بالتمثيلية، ولا يختلف عن الرد على اغتيال قاسم سليماني.

ووسط إدانات دولية واسعة للهجوم الإيراني، يعتزم مجلس الأمن الدولي عقد جلسة طارئة لمناقشة الوضع في منطقة الشرق الأوسط، وسط توقعات بإدانة لتصرف طهران، في وقت تتصاعد الدعوات الإقليمية المحذرة من خطورة التصعيد الإقليمي، والتي ترى أنه لا بد من إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة حتى تعود المنطقة إلى الهدوء ولو نسبيا.